-->

(نصف ديني-الجزء العاشر والاخير) -مذكرات شخصية توثيقية تاريخية يرويها ويستعرضها الاخ الاستاذ القدير /عبدالقادر الصبيحي الناخبي.

انطلقت السيارة تطوي حبيل برق وذكريات الحبيل والفرضه والسمرة لا زالت حية، قمنا برحلة عام ١٩٦٥م برفقة الدكتورة هدى البريطانية وزوجها فضل علي المفلحي مدير بلدية السلطنة ويرجع اليه الفضل الاكبر باستكمال تخطيط وتنظيم شوارع مدينة جعار والحصن وباتيس ، وخيمنا بفرضة حطاط وذبحنا وشوينا ولعبت مع اولادها ولدين وبنت وفي العصر جاءت امطار خفيفة وريح روحتنا ، وعند العودة عبأنا لهم ماء عذب من النبوه كانوا الانجليز مهندسين لجنة ابين يأخذون منه ماء الشرب باستمرار .
واصلنا سيرنا بطريق حطاط الوعرة التي دائما ما تطويها السيول لنعيد فرشها مرة اخرى ،وقد كنت ارافق عمي عام ٧٠ \ ٧١م عندما كان ينقل ركاب بين باتيس والركب بحطاط .
حمار حطاط اصبح يضرب به المثل بالتعب والنكد ، ويحكى عنه انه كان اذا وجده المسافر اسفل حطاط ركب عليه الى اعلى حطاط
ثم يركب عليه مسافر آخر متجه عكس الاول ليعيده الى نقطة البداية .
مررنا وسط حطاط على قبر عائلة الناخبي التي قتلتها الطائرات البريطانية عن طريق الخطا ظنوا أنه موكب السلطان الثائر بن عيدروس عندما شن سلاح الجو الملكي البريطاني حربه عليه وعلى انصاره ، حيث دفنت العائلة بنفس الموقع الذي قتلت فيه ، كانت امراة وطفليها على بعير وقبرهم ظاهر الى الان .
بدأنا نشعر بتغيير الجو من حر الى معتدل بعد أن تجاوزنا ركب حطاط ، وصار الجو بارد بعد أن بلغنا رهوة فلاحه ، كان موسم امطار الخريف على آخره ولكن كلد تحظى من ربنا بموسم الخوامس عن يافع وتشتهر بزراعة الدخن .
كانت الرحلةممتعة وانا كنت انظر الى امام السيارة وفكري يسابق نظري شوقا لرؤية ما هو ابعد مما وصل اليه النظر والخيال يضعها جنبي نتونس ببعض ونصنع الحكايات وتعبر الطريق .
اشترينا قات من راس حوج وكان الوقت الحادية عشر ظهرا وانطلقنا مسرعين لنلحق الغداء برصد ، بعد مسير ساعتين عبر امهداره والزغارير ، اضحت لنا القاره رمز يافع ودار لقواد الذي بدات به الضربة الجويةالبريطانية ليافع وطالت بالعرقه شوامخ آل القحيم وتركت ولم ترمم لاكثر من عشر سنوات .
برصد انزلنا الغنم من السيارة لتتنسم وتزودنا بالبترول وتغدينا وانطلقنا وانا اتلهف بحرارة وشوق للوصول الى العرقه ، لم يسبق لي ان شعرت بمثل هذا الشعور الفياض ، فرح وسرور كيف لا وانتم تعرفون ماذا ينتظرني ، حتى ظننت ان الطريق طويلة ووعره وان السيارة تسير كالسلحفاة .
مع دخول وقت العصر كنا ولجنا وادي العرقة .
ووادي العرقه ممتد من الشمال الى الجنوب وطوله حوالي خمستعشر كيلوا مترا ويرفده واديين رئيسيين هماحزر واللفيج ، انطلقنا صعود بسيارة كروزر حبةوربع والمكرفونات عالية الصوت يستمع قبل ان ترى السيارة بصوت الفنان البارعي او بن طويرق يتعاقبون شريط يدخل المسجل والآخر يخرج منها ، بدأنا نصادف البشر والبيوت من حاط الحبيل ثم البورعه والدقه والسله والقرين والسورق وصوت الارتواز والطاحون يرج الوادي رج .
ومن نصادفهم يسلموا علينا كأنهم يقولون لي مبروك عليك الزواج ، وبمنتصف وادي العرقه انحرفنا يمين وسلكنا وادي حزر الذي به قريتي وجبل ياواس وهو دلتا العرقه لانه يقع بين وادي حزر ووادي اللفيج ، اخذني الحماس وقمت انشد وانا لست بشاعر :
"يا حيد ياواس من فوق الحيود*
ياشرف غالي ويا جوده اصيل *
مسكنك بالقلب ذي تحت النهود *
والحشا ماواك وظلك والظليل ّ".
واخير وقفت السيارة بالسيلة تحت قريتي دور سلامه وألتف حولنا اهلنا والجيران ، وكان بعض الرجال والنسوة ينظرون الينا من القرى المجاورة ونحن ننزل العفش المتواضع والغنم ، وظهرت امي بيدها المبخرة وهى تحجر ( تزقرد ) نظرت اليها بفرح وسرور عكس ذالك اليوم الذي غادرت به العرقه الى جعار اول مرة ، قبل خمستعشر سنه وهى تبكي وتمسك رجلي وتجري بجواري وانا فوق البعير وخالي كان يمنعها ويردها ويجادلها وهي لا تريد مفارقتي فبكيت لما ذكرت هذا كله .
وكان ابي يعشر ببندقيتة قدامنا ، كانت حفاوة الاستقبال اكرام لي وايذان ببدأ اعلان الزواج ، وكنت اترقبها ولم اراها ولم اعرف من اين كانت تنظر إلينا المختباة عني .
سهرنا تلك الليلةومعنا خالي واهلنا نتداول الحديث عن الزواج وبدأنا بتحديد الموعد وهو الخميس القادم اول ايام الميزان الموافق ٢٣ \ ٩ \ ١٩٧٨م .
سنذهب بالغد الى بيت عمي للسلام عليهم ثم للاتفاق معهم حول مراسيم الزواج .
وباليوم الآخر زرنا عمي واتفقنا على كل الامور وانا خارج من بيتهم مررت بمجموعة بنات كانت واحدة منهن منيل وجهها ويديها بالنيل الازرق ولم اعرفها انها العروسة.
واتفقنا على تحديد المهر بمائة دينار حسب النظام والذهب تكفلوا به اهلها بدون شرط واستدعاء المعازيم حزر كامل من المصينعه الى الصفى وفي صباح اليوم الآخر سنرسل البضاعه الزنبيل وعفش العروسه وراسين غنم ،
"22 \ 9 \ 1978م الحناء".
يوم الاربعاء هو يوم الحناء وفيه تجمع الرجال والنسوه على سطح بيتنا واقيم شرح ( سمره ) قدم فيه الشعار كل منهم بما جاد به ، وبعد العشاء بدأت زفة الحناء ، جلست على صندوق واخذت النسوة دائرة حولي يرددين صوت الحناء وامي اخذت الحناء وبدات تحني يدي اليمنى وقتها شعرت باني ملك الحضره والكل حولي ومن اجلي ، وغمرتني سعاده لازالت اشعر بحلاوتها الى الان ، وآخر الحناء كعادتنا يبدأ الشباب بشقاوتهم والعبث بالحناء فوق راسي وظهري
وأمي تذود عني وانا مع هذا كله ازداد سعادة.
انتهى الحناء وغادر الجميع وبقيت مع افكاري سهران باحلام اليقظة صددت نومي وطال ليلي والانتظار .
الآضثث 23 /9/
يوم الخميس كان اليوم المميز بحياتي وبدأنا من الصباح استعدادنا بالتحضير للوليمة بالمساء كنا كعادتنا نوزع اللحم الى يد المعازيم ونقدم المرق وخبز الشموط وصحنةعصيد كبيرةمشل اربعةرجال .
بالعصر تجمع الشواعة الى بيتنا وبدأوا بتنافس بضرب النصع واحضرت النسوة بن وحب ووضع بصحن كبير وجاء الحلاق علي طربان وقصر قليل من شعري الافرو ، والحاج عنه يضرب الطبل ثم غادر موكب الشواعة بيتنا وانا بالوسط وبيدي عمود المظلة والشواعة مرجاز .
توصلنا بيت العروسة وكان هناك مجموعة من الرجال متقدمين لنا يرحبون بنا ويعشرون امامنا ونحن دفرنا عند الوصول بمعنى اطلقنا وابل من النار .
بعد السلام والعلم والخبر اسلبونا المتقدمين يعني كل متقدم اخذ السلاح من شويع واصطحبه الى الديوان . والنساء مستمرات في سلاهن والرجال ينصعون المرو حتى المغرب .
تعشت المعازيم وحضر السيد حسن محمد عبدالله العقاد ، وتم العقد وأمرت ان المسها بعد العقد وحصل ذالك ولمست يدها دون ان ارى منها شيئا .
قضينا الليلة بالرقص وشرب الشاي والقهوة وقصة الحج من جدي محمد سالم كملت الليلة وعاده ما وصل مكه .
مع بزوغ الفجر سمعت النسوة يرددين بصوت التسيور :
"الا واتشلشلي قومي وقولي والخضر واليأس
عرفت انهن بدئين للتسيير ، وسمعت ايضا
"الا يا به كرمت اليوم ورع مفتاح مخزانك "
عندما خرجين من بيت العروسة ثم استمرين سيرة ببطئ وسط سيل من قصائد الشعار .
وعند الوصول الى قرب دارنا رددين المسييرات هذا الصوت :
"الا يام الحريو ابدي بنش روح مركب الهندي ". فرقنا الاماسه وهي عصيد بالعسل والسمن تعطى الى الايادي ومخاطفة ثم انصرف الجميع وبقين النسوة المقربات فقط ادخلنها وعفشها الى المفرش ( غرفه ) وتركينها جالسة على الصندوق وسمح لي بالدخول لامنحها الفتاشة واكشف على وجهها .
اعطيتها ما تيسر معي من مبلغ وفتحت عليها المجول وكانت كبوكية الورد احمر وابيض ووردي واسود ومن كل لون حوت زينتها ، ثم وقفنا جنب بعض امام المرآة لنعيد ونكرر نفس الوقفة التي بالصورة القديمة "الموجودة في هذا الجزء" والتي جمعتني بها قبل احدعشر عام اي عام ١٩٦٧ م ايام الطفولة.
نعم عدنا جنب بعض ورسمي ساحتفظ بها تحت رمش عيني ، بعدما كنت احتفظ بصورتنامع بعض ايام الطفولة من شنطة لاخرى ومن مدينة لاخرى ومن جيب لاخر ، كانت كلما تلفت الصورة طبعت غيرها والان هي بجواري حقيقة .


ليست هناك تعليقات:


الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

صمم ب كل من طرف :