-->

حزب “الإصلاح” اليمني كإشكاليّةٍ مستدامةٍ!

وُلِد “التجمع اليمني للإصلاح” من رَحمِ فكرةٍ تآمريةٍ سلطويةٍ نزقةٍ بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وشيخه المرحوم عبدالله بين حسين الأحمر، أو الشيخ ورئيسه، تبعاً لتصنيفٍ آخرٍ، وهي تصنيفات تشي بالتنافس حول أولوية الحضور والهيمنة في نسيجٍ متشابكٍ يشدُ بعضهُ بعضاً: نسيج القبيلة والسلطان، أما التنافس فيدور حول أيٍّ منهما سيكون بوضعية “العربة”، وأيٍّ منهما سيكون بوضعية “الحصان”؟!..

“الفكرةُ التآمرية” التي كانت بمثابة ميلاد هذا الكيان تمت عشية التوقيع على اتفاقية الوحدة بين الممثلين الرسميين الوحيدين لدولتيّ الجنوب والشمال؛ أي حزبيّ الاشتراكي والمؤتمر. وكان الهدف الأساسي من تفريخ كيان سياسي برأسين حادتين: أصوليّة وقبليّة؛ ليس فقط عرقلة وإفشال ما كان قد اُتفِق عليه بين شريكي الوحدة فحسب، وكما يتبادر للأذهان من خلال تأكيد الزعيم التاريخي لحزب “الإصلاح” ـ الشيخ القبلي عبدالله الأحمر ـ بنفسه، وبوضوحٍ لافتٍ، في مذكراته. (راجع: “قضايا ومواقف”؛ الآفاق للطباعة والنشر، صنعاء، ط2، 2008، ص256). صحيح أن المهمة الأولى من قيام هذا الكيان الأصولي تمثلت في استخدام شتى الوسائل لتعطيل أي مساعٍ أو جهودٍ نحو تطبيق بنود الاتفاقية على أرض الواقع. لكن هذه المهمة كانت مهمةً مرحليّةً فقط، مرحلة تأتي ضمن استراتيجيّةٍ أوسعٍ وأكثر استدامة. ولتوضيح ذلك يلزمنا الإشارة سريعاً هنا إلى علامات بارزة تكون بمثابة موجهات مركزيّة لممارسات وتفكير هذا الحزب الإشكالي!

كانت “اتفاقية الوحدة” قد نصّت على أن تكون “الدولة الموَحَدة” ديمقراطية مدنية حديثة، ووضعت مواداً حاسمةً بخصوص المساواة وحفظ كرامة الإنسان وحقوق المرأة. وهذه الصيغة المقترحة للدولة كانت من وجهة نظر مراكز القوى التقليدية التي تُهيمن على الشمال منذ آلاف السنين، وينتمي إليها كلٌ من الرئيس وشيخه، أم الكوارث المُعجِلة بزوال الهيمنة باعتبارها خطوات تُمهد لقيام نظام حكم ٍ يعمل على تحقيق المساواة بين جميع مواطنيه، ويصون كرامتهم، ويعطي للمرأة حقها كشريك إيجابي وفاعل في جميع مناحي الحياة. كانت جميع هذه الاختراقات (النظرية) تسير على الضد تماماً لِما جرى عليه العُرف التاريخي منذ الأزل، وحفظ لهذه القوى مكانتها وعوامل وشروط هيمنتها. وبطبيعة الحال، كان من الضروري، السعي الجاد، لوأد هذه الصيغة في مهدها، وبكافة الوسائل الممكنة والمتاحة: ابتداءً بحشد الجموع بهدف ممارسة الضغط لإلغاء كثير من مواد الدستور المتفق عليه في الأيام الأولى من قيام الوحدة، ثم ما تلاها من اغتيالات قامت بتنفيذها جماعات “جهاديّة” كانت على علاقة وثيقة الصلة برموز في الحزب أو بأولئك الذين شكّلوا معه، وما زالوا، تحالفاً تاريخياً متيناً من قيادات عسكريّة ومشائخ قبليين.. هدفت هذه العمليات المنظمة إلى تصفية الكوادر البارزة للشريك الجنوبي في صنعاء خلال الفترة الانتقالية بين 1990-1993م لإرهابه وحمله على التراجع عن مواقفه وخياراته. وليس انتهاءً بشن حربٍ تدميّريّةٍ شاملةٍ في العام 1994م لابتلاع كيان الشريك الجنوبي كاملاً، أو لاقتلاعه وفق وصفٍ أدقٍّ لشاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني، شارك فيها الإصلاح بفعاليّة مستخدماً كل ترسانته: المقاتلين القبليين، الجهاديين الإسلاميين العائدين من أفغانستان، والأهم من كل ذلك تلك الفتوى “الداعشيّة” بامتياز التي أصدرها أحد كبار رجال الدين في الحزب ونصت على أنه: «إذا تمترس أعداء الإسلام بطائفة من المسلمين المستضعفين فإنه يجوز للمسلمين قتل هؤلاء المُتترس بهم مع أنهم مغلوب على أمرهم وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخ والأطفال»!!. وإزاء هذه الكمونيّة الإرهابيّة المتجذرة لم يكن مفاجئاً على الإطلاق أن تتصدر أسماء أبرز قياداته بعد ذلك بسنواتٍ عديدة قائمة أهم المطلوبين دوليّاً ممن هم على صلة وثيقة بالإرهاب!

كان الباحث المصري عمرو حمزاوي قد لاحظ في دراسة له صدرت ضمن أوراق معهد كارنيجي أن الحزب يتألف من مجموعات غير متجانسة على نحوٍ يصبح من غير المعقول تصوّر اجتماعها في تنظيمٍ واحدٍ: العناصر القبليّة الأكثر تقليديّة، والجماعات السلفيّة الأكثر تشدداً في اليمن، والإخوان المسلمين، وبحسب الباحث فهذه الفجوات الشاسعة بين أجنحته المختلفة هي ما جعلت حضوره يصطبغ على الدوام بالإبهام والالتباس والغموض، لكن تشاركها في سبيل تكريس الخط التقليدي المحافظ هو ما وفر لها عامل الانتظام والتآلف.

وأيٌّ تكن الأسباب التي جعلت بنية الحزب التنظيمية والفكرية تعجُ بكل هذه المتناقضات، فعمليّاً سعى الحزب إلى استغلالها وتوظيفها لصالح أهدافٍ شتى ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

فهو مثلاً ومن خلال جناحه المتشدد كان يعمل على استكمال الإرهاب في المجتمع بوسائلٍ أخرى لصالح تكريس الممارسات والأفكار الأكثر تقليديّة ومحافظة. ولعل أبرز الأمثلة الدالة على ذلك موقفه الصارم من قانو

ليست هناك تعليقات:


الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

صمم ب كل من طرف :