ﻓﻲ ﺫﻛﺮﻯ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ
ﺑﻘﻠﻢ - ﺩ.ﻋﻴﺪﺭﻭﺱ ﻧﺼﺮ ﺍﻟﻨﻘﻴﺐ :
ﺃﻳﺎﻡٌ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻭﺗﻬﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺫﻛﺮﻯ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺤﺎﻟﺠﻨﻮﺑﻲ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻠﻚ
ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺑﺘﻜﺮﻩ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺄﺛﺮﺓ ﻧﺎﺩﺭﺓ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﺘﻮﻗﻒ ﻭﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ
ﻭﺍﺳﺘﻨﻄﺎﻕ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺍﻷﺑﻌﺎﺩ ﻭﺗﺪﻭﻳﻦ ﺍﻻﺳﺘﺨﻼﺻﺎﺕ ﻭﺍﻟﻌﺒﺮ، ﺍﺑﺘﻜﺮﻭﻩ
ﻟﻼﻧﺘﻘﺎﻝ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺯﻉ ﺇﻟﻰ ﺁﻓﺎﻕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ
ﻭﺍﻟﺘﻄﻠﻊ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻙ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ، ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻳﻨﺎﺿﻞ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭﻩ
ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻭﻳﺘﻌﺎﻳﺶ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻭﻳﺠﻨﻲ ﺛﻤﺎﺭﻩ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻭﻳﺒﻨﻰ ﻭﻳﺸﺎﺩ ﻣﻦ
ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ.
ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺆﺍﻝ ﻣﻠﺢ ﻳﻄﺮﺡ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺴﺘﻘﺒﻞ ﺫﻛﺮﻯ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ
ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ، ﻭﻫﻮ ﻫﻞ ﻳﻜﻔﻲ ﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻝ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻭﺗﺮﺩﻳﺪ ﻫﺘﺎﻑ
ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻭﺍﻹﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻬﻤﺎ؟ ﺃﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻴﻦ ﻳﺴﺘﺪﻋﻴﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﻬﺘﺎﻑ ﻭﺍﻹﻋﻼﻥ ﻭﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻝ؟
ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻐﻮﺹ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ
ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻫﻤﺎ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻭﺳﻠﻮﻙ ﻭﻳﻘﻴﻦ ﻭﻗﻨﺎﻋﺎﺕ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﺇﻋﻼﻥ
ﻭﻫﺘﺎﻑ ﻭﺷﻌﺎﺭ ﻭﺍﺣﺘﻔﺎﻝ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ
ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺇﻟﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻭﺳﻠﻮﻙ ﻳﻮﻣﻴﻴﻦ ﻳﺘﺠﻠﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ
ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺳﻴﻈﻞ ﺷﻌﺎﺭﺍ ﺧﺎﻟﻴﺎ ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻌﺎﻃﻲ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻪ ﻛﺠﺰﺀ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺔ
ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ.
* * *
ﻗﺒﻞ ﻓﺘﺮﺓ ﻛﺎﻥ ﻧﺎﺋﺐ ﺑﺮﻟﻤﺎﻧﻲ ﻭﻗﻴﺎﺩﻱ ﺟﻨﻮﺑﻲ ﻓﻲ ﺣﺰﺏ ﻋﻠﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ
ﺻﺎﻟﺢ ﻭﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺗﻠﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﺴﺨﺮﻳﺔ ﻋﻦ ﺍﺣﺘﻔﺎﻝ ﻧﺸﻄﺎﺀ ﺍﻟﺤﺮﺍﻙ
ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ ﺑﺬﻛﺮﻯ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻭﻳﺘﺴﺎﺀﻝ ﻛﻴﻒ ﻳﺤﺘﻔﻞ ﺃﻧﺎﺱ ﺑﺬﻛﺮﻯ
ﻫﺰﻳﻤﺘﻬﻢ ﻭﺻﺮﺍﻋﻬﻢ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﻢ، ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ﻻﺣﻘﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﻲ
ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﺩﻱ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮﻱ ﻛﺎﻥ ﻃﺮﻓﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻨﻪ ﻭﺍﻟﻬﺰﻳﻤﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﺼﺪﻫﺎ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺃﻥ ﻳﺜﻴﺮ ﺗﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﺍﻧﺰﻋﺎﺝ ﻣﻦ
ﻳﺮﻏﺒﻮﻥ ﻓﻲ ﺇﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺃﺳﻴﺮ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺣﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻨﺰﺍﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﻚ
ﻭﺍﻟﺘﺸﻈﻲ ﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﻫﻲ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻣﻼﺀﻣﺔ ﻟﻬﻢ (ﺃﻱ ﻟﻠﻤﻨﺰﻋﺠﻴﻦ)
ﻟﻴﻮﺍﺻﻠﻮﺍ ﺳﻴﺎﺳﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺐ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﻭﺍﺳﺘﻐﻼﻝ ﺛﺮﻭﺍﺗﻪ ﻭﺍﻟﺘﺤﻜﻢ
ﺑﻤﺼﻴﺮﻩ، ﻭﻷﻥ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻳﺸﻜﻼﻥ ﻋﻘﺒﺔ ﻛﺄﺩﺍﺀ ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺆﻻﺀ
ﻭﻳﻌﻴﻘﺎﻥ ﻣﻮﺍﺻﻠﺔ ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻻﺳﺘﺒﺎﺣﺔ ﻭﺍﻟﺴﻠﺐ ﻭﺍﻟﻨﻬﺐ ﺍﻟﺒﻐﻴﻀﺔ ﻣﻊ
ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺗﺠﺎﻭﻳﻔﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﻣﻘﻴﺘﺔ، ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ، ﺑﺪﺍﺋﻴﺔ
ﻭﻣﺴﺘﻔﺰﺓ، ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺗﺒﻨﻲ ﻭﻋﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ
ﺍﻟﺴﻜﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﻋﺪﻳﻤﺔ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﺎﻗﺪﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﻃﻮﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ
ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ ﻭﺃﻗﻠﻌﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﺗﺒﻨﻮﺍ ﺑﺪﻻ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ
ﻭﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺎﻻﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ
ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ، ﺣﻴﺚ ﻛﻞ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻻ ﺑﺈﻟﻐﺎﺀ ﺃﺣﺪ ﻃﺮﻓﻴﻪ
ﻭﻛﻞ ﻧﺰﺍﻉ ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻻﻗﺘﺘﺎﻝ.
* * *
ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﻭﻧﺨﺒﻬﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻓﻌﻼ ﻳﻌﻮﻥ
ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻭﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻤﺜﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﻭﺃﺑﻌﺎﺩ، ﻭﺫﻟﻚ
ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﺷﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻟﺮﺅﻯ
ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻨﺨﺒﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻭﺃﻫﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺆﺷﺮﺍﺕ:
-1 ﻃﻲ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺍﻛﺘﻨﻔﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺰﺍﻋﺎﺕ ﻭﺻﺮﺍﻋﺎﺕ ﻭﻣﺎ
ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻤﺎﺳﻚ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻴﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺒﻠﺪ .
-2 ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺑﺎﻻﺧﺘﻼﻓﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﺎﻧﺔ ﺍﻟﺘﻨﺎﺯﻉ ﻭﺍﻟﺘﺼﺎﺩﻡ ﻭﺍﻹﻟﻐﺎﺀ
ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻧﺔ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺎﻻﺧﺘﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺃﻭﻻ ﺛﻢ ﺍﻟﺘﺤﺎﻭﺭ ﻭﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺘﻔﻮﻕ
ﺍﻵﺧﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻫﻼ ﻟﻠﺘﻔﻮﻕ ﺛﺎﻧﻴﺎ ﻭﺛﺎﻟﺜﺎ ﻭﺗﺒﻨﻲ ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﺳﻢ
ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ، ﻭﻣﺎ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ .
-3 ﻫﺠﺮ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺍﺣﺘﻜﺎﺭ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﺓ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻻﺣﺘﻮﺍﺀ ﻣﺎ
ﻳﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺗﻤﺜﻼ ﻟﻠﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻝ " ﺭﺃﻳﻲ ﺻﻮﺍﺏ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﺨﻄﺄ
ﻭﺭﺃﻱ ﻏﻴﺮﻱ ﺧﻄﺄ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ" ، ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ .
-4 ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﻭﺭﺍﺀ ﻇﻬﺮ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، ﻭﻋﺪﻡ
ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﻻ ﻷﺧﺬ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﻭﺍﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺮﻕ، ﻭﺍﻟﺘﻄﻠﻊ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﻬﻮ ﺍﻷﺣﻖ ﺑﺄﻥ ﺗﻌﺎﺵ ﺟﻤﺎﻟﻴﺎﺗﻪ ﻭﺃﻥ ﺗﺮﺳﻢ ﻣﻼﻣﺤﻪ ﻭﺗﺴﺘﺜﻤﺮ
ﺍﻟﻔﺮﺹ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ .
ﺇﻥ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﻦ ﻣﺠﺮﺩ ﺷﻌﺮ ﻭﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻮﻙ
ﻭﺛﻘﺎﻓﺔ ﻭﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻗﺪﺭﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﺑﺮ ﻭﺍﻟﻨﻀﺎﻝ
ﺍﻟﻘﺎﺳﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻭﻻ ﻭﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺛﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺪﻡ ﺟﺪﺭﺍﻥ
ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻐﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﺜﺄﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﻓﺘﺢ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﻭﻗﺒﻮﻝ ﺍﻟﺮﺃﻱ
ﺍﻵﺧﺮ، ﻭﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﺃﻓﻀﻠﻴﺎﺕ .
ﺑﺮﻗﻴﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ:
ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ:
ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺤﺮ ﻳﺠﺘﻨﺐ ﺍﻟﻤﺨﺎﺯﻱ ﻭﻳﺤــــﻤﻴﻪِ ﻋﻦ ﺍﻟﻐﺪﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺀُ
ﺇﺫﺍ ﺟﺎﺭﻳﺖ ﻓﻲ ﺧــــﻠﻖٍ ﺩﻧﻴﺎً ﻓﺄﻧﺖ ﻭﻣﻦ ﺗــــﺠﺎﺭﻳﻪِ ﺳﻮﺍﺀُ
ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗــــﺨﺶ ﻋﺎﻗﺒﺔ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻭﻟﻢ ﺗﺴﺘﺤﻲ ﻓﺎﺻﻨﻊ ﻣﺎ ﺗﺸﺎﺀُ
ﻓﻼ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌـﻴﺶ ﺧﻴﺮٌ ﻭﻻ ﺍﻟﺪﻧــــﻴﺎ ﺇﺫﺍ ﺫﻫﺐ ﺍﻟﺤـﻴﺎﺀ

ﺑﻘﻠﻢ - ﺩ.ﻋﻴﺪﺭﻭﺱ ﻧﺼﺮ ﺍﻟﻨﻘﻴﺐ :
ﺃﻳﺎﻡٌ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻭﺗﻬﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺫﻛﺮﻯ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺤﺎﻟﺠﻨﻮﺑﻲ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻠﻚ
ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺑﺘﻜﺮﻩ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺄﺛﺮﺓ ﻧﺎﺩﺭﺓ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﺘﻮﻗﻒ ﻭﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ
ﻭﺍﺳﺘﻨﻄﺎﻕ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺍﻷﺑﻌﺎﺩ ﻭﺗﺪﻭﻳﻦ ﺍﻻﺳﺘﺨﻼﺻﺎﺕ ﻭﺍﻟﻌﺒﺮ، ﺍﺑﺘﻜﺮﻭﻩ
ﻟﻼﻧﺘﻘﺎﻝ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺯﻉ ﺇﻟﻰ ﺁﻓﺎﻕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ
ﻭﺍﻟﺘﻄﻠﻊ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻙ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ، ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻳﻨﺎﺿﻞ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭﻩ
ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻭﻳﺘﻌﺎﻳﺶ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻭﻳﺠﻨﻲ ﺛﻤﺎﺭﻩ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻭﻳﺒﻨﻰ ﻭﻳﺸﺎﺩ ﻣﻦ
ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ.
ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺆﺍﻝ ﻣﻠﺢ ﻳﻄﺮﺡ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺴﺘﻘﺒﻞ ﺫﻛﺮﻯ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ
ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ، ﻭﻫﻮ ﻫﻞ ﻳﻜﻔﻲ ﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻝ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻭﺗﺮﺩﻳﺪ ﻫﺘﺎﻑ
ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻭﺍﻹﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻬﻤﺎ؟ ﺃﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻴﻦ ﻳﺴﺘﺪﻋﻴﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﻬﺘﺎﻑ ﻭﺍﻹﻋﻼﻥ ﻭﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻝ؟
ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻐﻮﺹ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ
ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻫﻤﺎ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻭﺳﻠﻮﻙ ﻭﻳﻘﻴﻦ ﻭﻗﻨﺎﻋﺎﺕ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﺇﻋﻼﻥ
ﻭﻫﺘﺎﻑ ﻭﺷﻌﺎﺭ ﻭﺍﺣﺘﻔﺎﻝ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ
ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺇﻟﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻭﺳﻠﻮﻙ ﻳﻮﻣﻴﻴﻦ ﻳﺘﺠﻠﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ
ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺳﻴﻈﻞ ﺷﻌﺎﺭﺍ ﺧﺎﻟﻴﺎ ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻌﺎﻃﻲ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻪ ﻛﺠﺰﺀ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺔ
ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ.
* * *
ﻗﺒﻞ ﻓﺘﺮﺓ ﻛﺎﻥ ﻧﺎﺋﺐ ﺑﺮﻟﻤﺎﻧﻲ ﻭﻗﻴﺎﺩﻱ ﺟﻨﻮﺑﻲ ﻓﻲ ﺣﺰﺏ ﻋﻠﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ
ﺻﺎﻟﺢ ﻭﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺗﻠﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﺴﺨﺮﻳﺔ ﻋﻦ ﺍﺣﺘﻔﺎﻝ ﻧﺸﻄﺎﺀ ﺍﻟﺤﺮﺍﻙ
ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ ﺑﺬﻛﺮﻯ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻭﻳﺘﺴﺎﺀﻝ ﻛﻴﻒ ﻳﺤﺘﻔﻞ ﺃﻧﺎﺱ ﺑﺬﻛﺮﻯ
ﻫﺰﻳﻤﺘﻬﻢ ﻭﺻﺮﺍﻋﻬﻢ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﻢ، ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ﻻﺣﻘﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﻲ
ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﺩﻱ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮﻱ ﻛﺎﻥ ﻃﺮﻓﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻨﻪ ﻭﺍﻟﻬﺰﻳﻤﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﺼﺪﻫﺎ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺃﻥ ﻳﺜﻴﺮ ﺗﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﺍﻧﺰﻋﺎﺝ ﻣﻦ
ﻳﺮﻏﺒﻮﻥ ﻓﻲ ﺇﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺃﺳﻴﺮ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺣﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻨﺰﺍﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﻚ
ﻭﺍﻟﺘﺸﻈﻲ ﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﻫﻲ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻣﻼﺀﻣﺔ ﻟﻬﻢ (ﺃﻱ ﻟﻠﻤﻨﺰﻋﺠﻴﻦ)
ﻟﻴﻮﺍﺻﻠﻮﺍ ﺳﻴﺎﺳﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺐ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﻭﺍﺳﺘﻐﻼﻝ ﺛﺮﻭﺍﺗﻪ ﻭﺍﻟﺘﺤﻜﻢ
ﺑﻤﺼﻴﺮﻩ، ﻭﻷﻥ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻳﺸﻜﻼﻥ ﻋﻘﺒﺔ ﻛﺄﺩﺍﺀ ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺆﻻﺀ
ﻭﻳﻌﻴﻘﺎﻥ ﻣﻮﺍﺻﻠﺔ ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻻﺳﺘﺒﺎﺣﺔ ﻭﺍﻟﺴﻠﺐ ﻭﺍﻟﻨﻬﺐ ﺍﻟﺒﻐﻴﻀﺔ ﻣﻊ
ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺗﺠﺎﻭﻳﻔﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﻣﻘﻴﺘﺔ، ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ، ﺑﺪﺍﺋﻴﺔ
ﻭﻣﺴﺘﻔﺰﺓ، ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺗﺒﻨﻲ ﻭﻋﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ
ﺍﻟﺴﻜﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﻋﺪﻳﻤﺔ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﺎﻗﺪﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﻃﻮﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ
ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ ﻭﺃﻗﻠﻌﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﺗﺒﻨﻮﺍ ﺑﺪﻻ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ
ﻭﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺎﻻﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ
ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ، ﺣﻴﺚ ﻛﻞ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻻ ﺑﺈﻟﻐﺎﺀ ﺃﺣﺪ ﻃﺮﻓﻴﻪ
ﻭﻛﻞ ﻧﺰﺍﻉ ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻻﻗﺘﺘﺎﻝ.
* * *
ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﻭﻧﺨﺒﻬﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻓﻌﻼ ﻳﻌﻮﻥ
ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻭﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻤﺜﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﻭﺃﺑﻌﺎﺩ، ﻭﺫﻟﻚ
ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﺷﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻟﺮﺅﻯ
ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻨﺨﺒﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻭﺃﻫﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺆﺷﺮﺍﺕ:
-1 ﻃﻲ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺍﻛﺘﻨﻔﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺰﺍﻋﺎﺕ ﻭﺻﺮﺍﻋﺎﺕ ﻭﻣﺎ
ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻤﺎﺳﻚ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻴﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺒﻠﺪ .
-2 ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺑﺎﻻﺧﺘﻼﻓﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﺎﻧﺔ ﺍﻟﺘﻨﺎﺯﻉ ﻭﺍﻟﺘﺼﺎﺩﻡ ﻭﺍﻹﻟﻐﺎﺀ
ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻧﺔ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺎﻻﺧﺘﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺃﻭﻻ ﺛﻢ ﺍﻟﺘﺤﺎﻭﺭ ﻭﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺘﻔﻮﻕ
ﺍﻵﺧﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻫﻼ ﻟﻠﺘﻔﻮﻕ ﺛﺎﻧﻴﺎ ﻭﺛﺎﻟﺜﺎ ﻭﺗﺒﻨﻲ ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﺳﻢ
ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ، ﻭﻣﺎ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ .
-3 ﻫﺠﺮ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺍﺣﺘﻜﺎﺭ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﺓ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻻﺣﺘﻮﺍﺀ ﻣﺎ
ﻳﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺗﻤﺜﻼ ﻟﻠﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻝ " ﺭﺃﻳﻲ ﺻﻮﺍﺏ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﺨﻄﺄ
ﻭﺭﺃﻱ ﻏﻴﺮﻱ ﺧﻄﺄ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ" ، ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ .
-4 ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﻭﺭﺍﺀ ﻇﻬﺮ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، ﻭﻋﺪﻡ
ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﻻ ﻷﺧﺬ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﻭﺍﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺮﻕ، ﻭﺍﻟﺘﻄﻠﻊ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﻬﻮ ﺍﻷﺣﻖ ﺑﺄﻥ ﺗﻌﺎﺵ ﺟﻤﺎﻟﻴﺎﺗﻪ ﻭﺃﻥ ﺗﺮﺳﻢ ﻣﻼﻣﺤﻪ ﻭﺗﺴﺘﺜﻤﺮ
ﺍﻟﻔﺮﺹ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ .
ﺇﻥ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﻦ ﻣﺠﺮﺩ ﺷﻌﺮ ﻭﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻮﻙ
ﻭﺛﻘﺎﻓﺔ ﻭﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻗﺪﺭﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﺑﺮ ﻭﺍﻟﻨﻀﺎﻝ
ﺍﻟﻘﺎﺳﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻭﻻ ﻭﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺛﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺪﻡ ﺟﺪﺭﺍﻥ
ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻐﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﺜﺄﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﻓﺘﺢ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﻭﻗﺒﻮﻝ ﺍﻟﺮﺃﻱ
ﺍﻵﺧﺮ، ﻭﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﺃﻓﻀﻠﻴﺎﺕ .
ﺑﺮﻗﻴﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ:
ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ:
ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺤﺮ ﻳﺠﺘﻨﺐ ﺍﻟﻤﺨﺎﺯﻱ ﻭﻳﺤــــﻤﻴﻪِ ﻋﻦ ﺍﻟﻐﺪﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺀُ
ﺇﺫﺍ ﺟﺎﺭﻳﺖ ﻓﻲ ﺧــــﻠﻖٍ ﺩﻧﻴﺎً ﻓﺄﻧﺖ ﻭﻣﻦ ﺗــــﺠﺎﺭﻳﻪِ ﺳﻮﺍﺀُ
ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗــــﺨﺶ ﻋﺎﻗﺒﺔ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻭﻟﻢ ﺗﺴﺘﺤﻲ ﻓﺎﺻﻨﻊ ﻣﺎ ﺗﺸﺎﺀُ
ﻓﻼ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌـﻴﺶ ﺧﻴﺮٌ ﻭﻻ ﺍﻟﺪﻧــــﻴﺎ ﺇﺫﺍ ﺫﻫﺐ ﺍﻟﺤـﻴﺎﺀ

ليست هناك تعليقات:
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات